هولندا وكأس العالم: عباقرة الكرة الذين لم يُتوَّجوا
عندما نذكر كأس العالم، لا يمكن أن نتجاوز اسم هولندا، رغم أنها لم تحرز اللقب قط.
فالمنتخب البرتقالي قدّم عبر تاريخه واحدًا من أكثر أساليب اللعب إمتاعًا وابتكارًا، وكتب فصولًا أسطورية في بطولات المونديال، رغم أن “الكأس الذهبية” استعصت عليه في كل مرة.
إنها حكاية الجمال الذي لم يُتَوَّج، والقوة التي لم تتحول إلى مجدٍ نهائي، لكنها أثّرت في اللعبة أكثر من منتخبات فازت.
البداية المتأخرة والانفجار الكبير – 1974
رغم أن أول مشاركة لهولندا كانت في مونديال 1934، فإن المنتخب لم يترك بصمة حقيقية حتى جاء مونديال 1974 في ألمانيا الغربية.
وهناك، قدّمت هولندا للعالم أسلوب “كرة القدم الشاملة” بقيادة المدرب رينوس ميتشل والعبقري يوهان كرويف.
كان الفريق يتحرك كوحدة واحدة، يهاجم ويدافع بتنظيم جماعي مذهل، ويفرض إيقاعه على الخصم.
وفي الطريق إلى النهائي، أطاح الطواحين بكبار القارة: الأرجنتين 4-0، ألمانيا الشرقية، والبرازيل 2-0.
لكن في النهائي، ورغم تقدمهم المبكر على ألمانيا الغربية، انقلبت الأمور، وخسروا 2-1.
ورغم الهزيمة، بقيت هولندا الفريق الأكثر تأثيرًا في البطولة، وكرويف أيقونة لا تمحى من ذاكرة المونديال.
كابوس التكرار – 1978
بعد أربع سنوات فقط، عادت هولندا للنهائي في الأرجنتين، لكن هذه المرة من دون كرويف، الذي قاطع البطولة.
ورغم ذلك، لعب الفريق بأسلوب مشابه، وتأهل إلى النهائي بعد فوز على إيطاليا والتعادل مع البرازيل.
وفي النهائي ضد الأرجنتين صاحبة الأرض، اقترب الحلم كثيرًا، لكن الهدف المتأخر من دي ريوس ثم هدف كيمبس في الأشواط الإضافية وضعا نهاية مريرة أخرى.
هولندا خسرت مرة ثانية نهائيًا كانت تستحقه، وظهر جليًا أن الكرة الجميلة لا تضمن دائمًا التتويج.
العودة من بعيد – 2010
بعد سنوات من الغياب عن المشهد العالمي في الأدوار المتقدمة، عادت هولندا بقوة في مونديال جنوب إفريقيا 2010.
بقيادة فان مارفيك ومواهب مثل روبن، شنايدر، وفان بيرسي، قدّمت هولندا نسخة براغماتية، وحققت 6 انتصارات متتالية حتى وصلت إلى النهائي ضد إسبانيا.
وفي مباراة مشهودة، أضاع روبن انفرادًا لا يُنسى، ثم خسر الهولنديون بهدف إنييستا في الدقيقة 116.
مرة أخرى، كانت هولندا قريبة جدًا، لكن الكأس أبت أن تزورها.
البصمة الأقوى دون تتويج – 2014
في مونديال البرازيل، ظن كثيرون أن هولندا ستخرج مبكرًا، لكن فان غال صنع فريقًا شرسًا ومنظمًا.
بدأت البطولة بفوز تاريخي على إسبانيا 5-1، وتأهلت إلى نصف النهائي، حيث اصطدمت بالأرجنتين.
التعادل السلبي، ثم ركلات الترجيح، أطاحت بهولندا من جديد. لكنها ختمت البطولة ثالثة بعد فوز على البرازيل 3-0، وحافظت على مكانتها بين الكبار.
إخفاقات مؤلمة – 2018 و2022
لم تتأهل هولندا إلى مونديال 2018 في روسيا، في واحدة من أكبر مفاجآت التصفيات.
لكنها عادت في قطر 2022 بقيادة فان خال، وظهر الفريق بشكل متماسك، وتأهل إلى ربع النهائي، قبل أن يخسر أمام الأرجنتين بركلات الترجيح بعد سيناريو درامي.
المنتخب قدّم أداءً قويًا، لكن بدا وكأنه يعاني من أزمة “الثقة في النفس” في اللحظات الحاسمة.
لماذا لم تتوَّج هولندا رغم عظمة فرقها؟
- لعنة النهائيات
ثلاث نهائيات (1974، 1978، 2010)، وثلاث هزائم، رغم أنها في جميعها كانت منافسة بقوة على اللقب. - الخيارات التكتيكية
في بعض النسخ، تخلّت هولندا عن فلسفتها الجميلة، وفي أخرى تمسّكت بها إلى حد التصلب، ما أفقدها التوازن. - غياب الحسم في لحظات الذروة
أبرز مثال: انفراد روبن في نهائي 2010، والهدف المتأخر للأرجنتين في 1978، وضربات الترجيح في 2014 و2022. - تفاوت الأجيال
بعد كل إنجاز، تعاني هولندا في بناء جيل جديد قادر على الاستمرارية.
الخلاصة: هولندا… مجد بلا كأس
رغم غيابها عن سجل الأبطال، تظل هولندا واحدة من أعظم المنتخبات في تاريخ كأس العالم.
منتخب ألهم الملايين بأسلوبه، وترك بصمة لا تُنسى في كل بطولة شارك فيها.
قد لا تكون هولندا “بطلة العالم” رسميًا، لكنها في قلوب عشاق الكرة تملك مكانة الأبطال.