كرواتيا وكأس العالم: الحلم الذي تحوّل إلى حقيقة
من بلد لا يتجاوز عدد سكانه 4 ملايين نسمة، خرجت كرواتيا لتكتب واحدة من أعظم قصص كأس العالم.
منذ أول مشاركة لها كمستقلة في مونديال 1998، قدّمت كرواتيا أداءً يتجاوز التوقعات، ورسّخت نفسها كقوة لا يُستهان بها في المحافل الكبرى، لا سيما في كأس العالم، حيث جمعت بين الحماسة البلقانية، والمهارة الفنية، والانضباط التكتيكي، koora live.
البدايات: فرنسا 1998 – الحكاية تبدأ بميدالية برونزية
أول ظهور لكرواتيا في كأس العالم كان مذهلًا.
قاد الجيل الذهبي بقيادة دافور شوكر وزفونيمير بوبان منتخب بلاده إلى نصف النهائي، بعد أن أطاح بألمانيا في ربع النهائي بثلاثية تاريخية.
ورغم الخسارة في نصف النهائي أمام فرنسا صاحبة الأرض، إلا أن كرواتيا أنهت البطولة ثالثة، بعد فوزها على هولندا.
دافور شوكر تُوج هدافًا للبطولة بـ6 أهداف، وترسّخ اسم كرواتيا منذ تلك اللحظة كواحدة من “قصص المونديال الجميلة”.
سنوات التيه: من 2002 إلى 2014
بعد إنجاز 1998، دخلت كرواتيا في مرحلة من التراجع، إذ خرجت من الدور الأول في مونديالات 2002، 2006، و2014، بينما لم تتأهل إلى نسخة 2010.
ورغم وجود أسماء لامعة مثل لوكا مودريتش، نيكو كوفاتش، وإيفيكا أوليتش، إلا أن المنتخب افتقد الهوية الواضحة، وكانت معاناته مع تجديد الأجيال واضحة.
لكن خلف الكواليس، كانت كرة القدم الكرواتية تعمل بهدوء، تُنتج مواهب شابة تلعب في أكبر الأندية الأوروبية، وعلى رأسهم مودريتش، راكيتيتش، مانزوكيتش، وفرساليكو.
روسيا 2018: من الظل إلى النهائي
دخلت كرواتيا نسخة روسيا 2018 دون أن تكون مرشحة، لكنها سرعان ما كشفت عن قدرات استثنائية.
تصدرت مجموعة صعبة ضمّت الأرجنتين ونيجيريا وأيسلندا، وبدأت رحلتها الإعجازية في الأدوار الإقصائية بثلاث مباريات ذهبت إلى الأشواط الإضافية، واثنتان منها إلى ركلات الترجيح، أمام الدنمارك وروسيا، قبل الفوز على إنجلترا في نصف النهائي.
في النهائي، واجهت فرنسا، وسقطت بنتيجة 4-2، لكنها كسبت احترام العالم كله.
أداء كرواتيا كان بطوليًا، ومودريتش حاز الكرة الذهبية كأفضل لاعب في البطولة.
كانت كرواتيا ثاني أصغر دولة تصل إلى نهائي كأس العالم، وأثبتت أن الإرادة الجماعية يمكنها أن تُعادل تفوق الكبار.
قطر 2022: تأكيد الاستمرارية والصلابة
رغم تقدّم السن واعتزال بعض نجوم 2018، جاءت كرواتيا إلى قطر بطموح متجدد، يقوده لوكا مودريتش الذي واصل التألق في عمر 37 عامًا.
في المجموعة، تجاوزت كرواتيا المغرب وبلجيكا وكندا، ثم أطاحت بالبرازيل في ربع النهائي في واحدة من أكثر المباريات درامية، بركلات الترجيح، بفضل تألق الحارس ليفاكوفيتش.
وفي نصف النهائي، اصطدمت بالأرجنتين بقيادة ميسي، وتعرضت لهزيمة قاسية 3-0، لكنها استعادت كرامتها بفوز كبير على المغرب في مباراة تحديد المركز الثالث، لتحصد الميدالية البرونزية.
الرسالة كانت واضحة: كرواتيا ليست “طفرة”، بل منتخب كبير بحق.
تحليل فني: لماذا تنجح كرواتيا رغم صغر حجمها؟
نجاح كرواتيا في كأس العالم ليس صدفة، ويعود لعوامل متعددة:
- أكاديميات كروية فعّالة
مثل أكاديمية “دينامو زغرب”، التي خرّجت العديد من نجوم المنتخب. - الاحتراف المبكر
اللاعبون الكرواتيون ينضمون لأندية أوروبية كبرى منذ سن صغيرة، ما يُكسبهم الخبرة والصلابة. - ثقافة قتالية وانضباط تكتيكي
يمتاز المنتخب بالكفاح حتى اللحظة الأخيرة، وبأسلوب لعب مرن وقادر على التكيّف مع ظروف المباراة. - قيادة فنية مستقرة
زلاتكو داليتش قاد الفريق بحكمة منذ 2017، وجمع بين صرامة الشخصية ودبلوماسية التعامل مع النجوم.
لوكا مودريتش: روح المنتخب وعبقريته
لا يمكن الحديث عن كرواتيا في كأس العالم دون التوقف أمام “المايسترو” لوكا مودريتش.
فهو اللاعب الذي مثّل القلب النابض في 2018 و2022، وقاد فريقه من وسط الملعب بعقله لا بقدميه فقط.
هو أكثر من مجرد نجم؛ هو رمز لجيل آمن بنفسه رغم كل التحديات.
الخلاصة: الحكاية لم تنتهِ بعد
كرواتيا كتبت فصولًا مجيدة في تاريخ كأس العالم.
من “المفاجأة السعيدة” في 1998، إلى وصيف البطل في 2018، فميدالية جديدة في 2022، بات المنتخب جزءًا من نخبة المونديال.
الجيل القادم بقيادة غفارديول وماير وبوديمير يبدو واعدًا، وربما تواصل كرواتيا كتابة التاريخ في 2026.