بلجيكا وكأس العالم: جيل ذهبي يبحث عن المجد الضائع
منتخب بلجيكا، الملقب بـ”الشياطين الحمر”، هو أحد أبرز المنتخبات الأوروبية التي تركت أثرًا واضحًا في نهائيات كأس العالم، رغم أنه لم يتوّج باللقب قط. وعلى مدار عقود، مرّ الفريق بفترات صعود وهبوط، حتى جاءت الحقبة الذهبية التي رفعت التوقعات إلى حدود السماء، لكنها لم تحقق الوعد الأخير: التتويج.
هذه قصة بلد صغير، أنجب جيلًا كبيرًا، لكن المجد العالمي ظل عصيًا على الترويض.
البدايات المتواضعة: مشاركات خجولة قبل الثمانينيات
ظهرت بلجيكا في أول نسخة لكأس العالم عام 1930 في الأوروغواي، لكنها خرجت من الدور الأول.
وشاركت بعد ذلك في نسخ متفرقة مثل 1934، 1938، 1954، دون أن تترك أي بصمة حقيقية، حيث كانت تُعتبر من الفرق الأوروبية المتوسطة.
في مونديال 1970 بالمكسيك، عادت بلجيكا وحققت أول فوز في تاريخها، لكنه لم يكن كافيًا لتجاوز دور المجموعات.
وكان لا بد من انتظار الثمانينيات لتبدأ مرحلة التطور الجدي، koora live.
مونديال 1986: مفاجأة وصعود تاريخي
شهدت كأس العالم 1986 في المكسيك أحد أفضل عروض بلجيكا على الإطلاق.
فبقيادة المدرب غي تييس ومجموعة من اللاعبين المميزين مثل إنزو شيفو، جان ماري بفاف، وجان كلود فاندر إلست، نجحت بلجيكا في بلوغ نصف النهائي لأول مرة في تاريخها.
وفي ذلك الدور، اصطدمت بالأرجنتين بقيادة دييغو مارادونا، الذي سجل هدفين وأقصى الشياطين الحمر.
ثم خسرت بلجيكا المركز الثالث لصالح فرنسا، لكنها حققت أفضل إنجاز عالمي لها حينها، وأصبحت فريقًا يُحسب له حساب.
التسعينيات: استمرار الحضور بلا إنجازات كبرى
شاركت بلجيكا في بطولات 1990 و1994 و1998، وتأهلت إلى الدور الثاني في كل نسخة، لكنها لم تستطع تجاوز هذا الحاجز.
ورغم وجود لاعبين مميزين مثل لوك نيلس ومارك فيلموتس، فإن المنتخب افتقر إلى العمق والجودة اللازمة للوصول بعيدًا.
في مونديال 2002، قدم الفريق عرضًا قويًا ضد البرازيل في دور الـ16، وخسر 2-0 بصعوبة أمام البطل المستقبلي، في مباراة شهدت جدلًا تحكيميًا حول هدف ملغى.
ثم غابت بلجيكا عن المونديالين التاليين (2006 و2010)، وبدأ يُنظر إلى المنتخب كقوة نائمة تحتاج إلى نهضة.
الجيل الذهبي والانفجار الكبير: 2014 – 2022
مع صعود جيل جديد مذهل من اللاعبين، عادت بلجيكا بقوة إلى الساحة العالمية.
كيفن دي بروين، إدين هازارد، روميلو لوكاكو، تيبو كورتوا، أكسل فيتسل، كومباني، ميرتينز… أسماء من الطراز الرفيع في كل الخطوط، أصبحت نواة ما يُعرف بـ”الجيل الذهبي”.
في مونديال 2014 بالبرازيل، تأهلت بلجيكا إلى ربع النهائي، قبل أن تخسر بصعوبة أمام الأرجنتين 1-0.
لكن الأداء العام منح إشارات قوية إلى ما هو قادم.
مونديال روسيا 2018: الإنجاز الأفضل
بلغت بلجيكا ذروة عطائها في روسيا 2018.
تأهلت أولًا من دور المجموعات بالعلامة الكاملة، ثم حققت عودة تاريخية أمام اليابان (3-2) في دور الـ16 بعد أن كانت متأخرة 2-0.
في ربع النهائي، قدّمت مباراة استثنائية ضد البرازيل، وفازت 2-1، في واحدة من أفضل عروضها على الإطلاق.
لكن في نصف النهائي، اصطدمت بفرنسا المنظمة، وخسرت 1-0 بعد أداء قتالي.
بلجيكا أنهت البطولة ثالثة بعد فوزها على إنجلترا، في أفضل مركز تحققه في تاريخها.
ورغم ذلك، شعر الجمهور البلجيكي أن الفرصة الكبرى قد ضاعت، لأن الفريق كان في أوج قوته.
مونديال 2022: خيبة أمل ووداع صادم
دخلت بلجيكا بطولة قطر 2022 ضمن المرشحين، لكن بدا واضحًا أن الجيل الذهبي وصل إلى مرحلة الإنهاك البدني والذهني.
خسرت أمام المغرب، تعادلت مع كرواتيا، وخرجت من الدور الأول بشكل مفاجئ.
كان الوداع حزينًا ومشحونًا، وانهالت الانتقادات على اللاعبين، خصوصًا بعد توتر واضح في العلاقات بين النجوم داخل المعسكر.
لماذا لم تفز بلجيكا بكأس العالم رغم جودتها؟
- غياب الثقافة البطولية
بلجيكا لم تكن يومًا قوة كروية عظمى، ولم تمتلك تقاليد الفوز التي تملكها منتخبات مثل ألمانيا أو فرنسا. - لحظات الحسم
في مباريات المفصلية، عانت بلجيكا من قرارات خاطئة أو سوء إنهاء، كما حصل ضد فرنسا في 2018 أو الأرجنتين في 2014. - افتقاد العمق الدفاعي
رغم القوة الهجومية، افتقر المنتخب أحيانًا لمدافعين كبار في قمة عطائهم. - ضغط التوقعات
ارتفاع التوقعات مع “الجيل الذهبي” ربما شكّل عبئًا على اللاعبين بدلًا من أن يكون دافعًا.
الخلاصة: كرة رائعة بلا تاج
منتخب بلجيكا هو مثال حي على أن كرة القدم لا تُكافئ دائمًا الأفضل أداءً أو الأكثر موهبة.
ورغم أن الجيل الذهبي ربما شارف على نهايته، فإن إرثه سيبقى حاضرًا، وقد يُلهم أجيالًا جديدة لتحقيق ما فشل فيه السابقون.